نكشف المستور .. فمَن المسؤول؟ د. مقبل صالح أحمد الذكير - 25/10/1429هـ
نقلا عن موقع هوامير البورصة
يخلط البعض بين مظاهر التطور الصناعي والتقني في الدول المتقدمة وبين أنظمتها الاقتصادية. فيعتقدون أن التقدم المادي المذهل الذي تحقق لهذه المجتمعات يجعل من نظامهم الرأسمالي نظاما مثاليا متفوقا على ما عداه بشكل مطلق. وهذه مبالغة تثير الشفقة! والحقيقة أن سيطرة الإنسان على المادة لا تعني مطلقا سيطرته على نفسه ودوافعه.إن حماس البعض لتمجيد النظام الرأسمالي يعود لخلطهم بين مفهوم النظام الاقتصادي والآليات الاقتصادية! فالرأسمالية ليست هي جهاز الأثمان ولا هي الملكيات الفردية بحد ذاتها فهذه مجرد آليات. وهي آليات لا يختص بها النظام الرأسمالي وحده، بل إنها من آليات النظام الاقتصادي الإسلامي أيضا، وهو نظام سابق على الرأسمالية من حيث الترتيب الزمني. إذن أين تكمن الرأسمالية؟ إنها تكمن في الفلسفة أو الشكل الذي أعطي لهذه الآليات، أي في الحريات المطلقة لعمل الأسواق، وطغيان مصالح الفرد على الجماعة. فعندما تمنح الحكومة الأمريكية حريات مطلقة للمؤسسات المالية لتولد ما شاءت من الديون وتطور ما جاز لها من المشتقات المالية، باسم الحرية والابتكار، دون ضوابط تكبح جماح المديرين التنفيذيين المندفعين لتعظيم مكافآتهم على حساب استقرار النظام وسلامته، فأنت تشاهد فعلا روح الرأسمالية البغيضة في صورتها المتوحشة. وعندما ترى نظاما يبالغ في فلسفته الفردية Individualism إلى الحد الذي يعطي أصحاب تلك الملكيات حق التصرف المطلق في ملكياتهم، دون قيد أو ضابط كأن يدفنوها معهم في قبورهم، أو يورثونها لحيواناتهم بدلا من أبنائهم، أو يلقون بالقمح في المحيطات أو يخلطونه بالأسفلت عند رصف الطرق حتى لا تنخفض أسعاره، فأنت ترى الرأسمالية في أبشع صورها. ولو تهيأ للمجتمعات الرأسمالية قدرا أسمى من الضوابط الأخلاقية على الحريات لحققت نموا أفضل، أو على الأقل لتجنبت النتائج المأساوية للدورات الاقتصادية العنيفة التي تكتسحها كل حين من الزمن. وليس للرأسمالية شكل واحد، بل أشكال ودرجات فهي متطرفة في أمريكا وأقل تطرفا في أوروبا، وأكثر إنسانية في اليابان. لذلك من غير المستساغ أن يخرج علينا مَن يمجِّد الرأسمالية مطلقا على علاتها، في الوقت الذي ينتقد علماء وزعماء من داخل تلك المجتمعات مواطن ضعفها. أذكر أن الأستاذ موريس آليه، أستاذ الاقتصاد في الجامعات الفرنسية، الذي زارنا قبل عشر سنوات، أخبرنا أن النظام المصرفي العالمي التقليدي يحمل في طياته عوامل تقلباته، وأن الاقتصاد الدولي بحاجة لنظام مصرفي ومالي أفضل يقوم على ربط المال بالإنتاج وعلى تسخيره لخدمة الأنشطة الاقتصادية المنتجة بعيدا عن المضاربات المجهدة التي تؤول غالبا إلى تقلب الأسواق تقلبا شديدا.واليوم أضحى زعماء أوروبا يطالبون بمؤتمر دولي لإعادة ضبط قواعد النظام المالي العالمي. ورئيس وزراء فرنسا "فرانسوا فيون" طالب على هامش القمة الفرنكوفونية التي عقدت في كندا في الأسبوع الماضي أن تكون الحرية "أقل وحشية" وألا يُسمح للولايات المتحدة الاقتراض بلا نهاية على حساب باقي دول العالم. وهو يرى أن هذه الأزمة أسفرت حاليا عن نتائج "مرعبة" على مجمل النظام المالي. ومع أنه لا يرى في الأزمة الحالية إفلاسا للرأسمالية، إلا أنه يعتقد أن الإفراط في منح الحريات وغياب التنظيم قاد إلى هذا المصير. لكن ميزة المجتمعات الرأسمالية أن ديمقراطيتها تسمح باكتشاف الأخطاء وتعديلها، ولولا ذلك لماتت الرأسمالية قبل الاشتراكية. لكن هذا لا يمنع أن صورها المتطرفة بغيضة وخطيرة على المجتمعات. والإخفاقات التي تصيبها لا ترجع إلى نقص في العقول، بل إلى نقص في الأخلاق! إنها تعود لطغيان المصالح الفردية وغياب الضوابط الأخلاقية باسم الحرية. الغريب في الأزمة الراهنة أنني لم أر حتى الآن جهة تعلن أنها ستقاضي المتسببين فيها. على الرغم من أن رئيس الوزراء الكندي صرح بأنه بينما يغرق العالم في هذه الأزمة، يسود في بعض الدول وضع تحققت فيه أرباح لجهات خاصة ولكن مع خسائر عامة. أما بالنسبة لمنطقتنا، فعلى المجتمعات التي تتشدق بالإسلام وتتجاهل ضوابط الشريعة ومقتضيات العدالة أن تدرك أنها ليست بمأمن من قارعة اقتصادية لا تبقي ولا تذر، فعليها الحذر!
نقلا عن موقع هوامير البورصة
من حقـِّنا أن نفهم! نجيب الزامل - 25/10/1429هـ.. كنتُ في أكثر من عاصمةٍ خليجيةٍ في الأسبوع المنصرم، وكانت آثارُ الأزمةِ المالية واضحة، لأنها ضربتْ بصواعِقها الاقتصاداتَ المحلية، ولم يكن هذا خافيا، ولم يحاول أحدٌ إخفاءه.. إني لا أفهم ألا تـُعلـَنُ أخبارُ آثار صاعقةٍ ضربت جداراً وشرخته – ولو قليلا - ثم يقال إن الجدارَ لم يُمَس، بل إن تصريحات تقليدية تقول إن الصاعقة لم تضرب الجدارَ أصلا! فتعجب من المصادفاتِ الغريبةِ أن ينجو جدارٌ وحيدٌ وسط عشراتِ الجدران المضروبة.. هل هناك غلافٌ خفيٌ يحمي هذا الجدار؟والصواعقُ تحدث ولا حيلة لنا بها.. لذا من حقِّ الجميع على الجميع أن يفهموا بدقةٍ ما يحصل، لأنهم يحتمون ويستظلون ويستندون في كل مصارف حياتهم إلى ذاك الجدار.يشكو الناسُ في دبي انكماشا صعبا في العقار وفي التبادلاتِ التجارية، وهناك خطة ضخ أموال كبرى لإنعاش الترنح الذي ضرب اقتصاد المدينة التي تعتمد على سمعتها كواحدةٍ من أكبر الاستقطابات العقارية والخدمية في العالم.. وسبق للحكومة الإماراتية أن ضختْ 19 مليار دولار في أجساد بنوكها خوفا من ضربة جفاف من احتباس السيولة..والحكومة القطرية أعلنتْ على الملأ أمراً استراتيجيا قلما يحصل في نوعية الاقتصاد الخليجي المبني على الحرية الاقتصادية مع خلطٍ واضح لمرتكزات الرأسمالية الحديثة، بأنها ستستحوذ على حصةٍ قدرها 20 في المائة في البنوك كي تتمكن من تمويل المشاريع الكبيرة القائمة على قدمٍ وساقٍ في الدولةِ الطموح.. إنه مؤشرٌ كبير، ولا أقول خطر ـ فالخطرُ صار وحدث في العالم كله، والمهم الآن ليس الجرم النيزكي الذي ضرب أرضية الاقتصاد العالمي بشدة، ولكن المهم هي هذه اللحظات التي نعيشها، كيف سنعيشها؟ هذا هو السؤال؟أي، أن نعلم ما آثار الضربة، وما حجم مضاعفاتها، وكيف ستمسّ كل فردٍ في الأمة.. ومن حق الناس أن يعلموا وأن يفهموا.. بل إن هذا هو أقل ما يُقَّدم للناس: المصارحة بحقيقةِ الحالة. وإخفاءُ أمرٍ عالمي لم يكن حصيلة خطأ داخلي عجيب ومستغرب وربما تطرفنا لو قلنا "مستهْجـَنا". التطمينُ غير الحقيقي لمشكلةٍ حاصلة وواقعةٍ أسوأ من المشكلةِ ذاتها. وكتب أصدقاؤنا الكتابُ المتخصِّصون والمهتمون كثيراً من التحليلات، وحاول الدكتور "أنس الحجي" بمقالاتٍ متتابعةٍ أن يقرِّب المشكلة المعقدة لأفهام الناس العاديين أمثالنا.. وثارتْ مقالاتـُه في الإنترنت كالعاصفةِ الزوبعية، وتداولها الناسُ في كل موقع، وربما وصلت كل بريدٍ إلكتروني يحكي العربية، وهذا دليلٌ شاهقٌ أن الناسَ يتلمسون الفهم، هم يريدون أن يفهموا، نعم هم قلقون، وهذا رد فعل متوقـَّع، ومن غير الإنصافِ أن يُضاف مع الخوفِ العتمةَ والإشاراتَ الخاطئة.. لا، هذا كثير. كيف تعصب عين أحد قلق ثم تريده أن يطمئن؟ شيءٌ مضحكٌ من الحزن.ولاحظت أن كُتـَّابنا في الجرائدِ، وبالذات في جريدتنا المتخصصة "الاقتصادية"، بنوا دراساتـَهم وتحليلاتهم، ورؤاهم على مصادرٍ خارجية، ومعلوماتٍ ذاتية، واجتهادٍ ذهني، ولم يحصلوا على معلوماتٍ ركينة من مصدرها الرسمي، غير المتداول في النشرات الرسمية، رسميةٌ بذات اللغةِ المكتبيةِ المعهودة المطمئنة.. لذا فالناس لا يعرفون من يصدقون؟ فكيف باللهِ يمكنهم أن يفهموا ما يجري لمعاشهم وحاضرهم ومستقبلهم؟ لو كنت مسؤولاً في دوائر النفط أو المال في البلاد، وهوى سعرُ برميل البترول كسيارٍ فقد مداره وجاذبيته محترقاً سريعاً إلى الأرض من عليائه، من تخوم الـ 150 دولارا إلى أقل من 70 دولارا، لما رقدَ لي جفنٌ من الخوفِ والتفكير والجري بلا توقف لملاحقة الموقف، ولأقمتُ حجرةَ إعلام على مدار الساعة لأخبر الناس بما يحدث، ربما لأجلي كمسؤولٍ حتى أخفّف من حجم الواقعة من على كتفي، فأوزعها على الجميع، فأكسب راحة من ثقلٍ عظيم، ومصداقية تريحُ الناسَ.. إلا إن كان عقلي الضيق لم يستوعب أن سقوط السعر بهذه الطريقة لن يغير شيئا.. وهذا ربما سبب استحالة أن أكون مسؤولا. ولكن من يلومني؟ أيـُلامُ ضيقُ عقلي؟ أم لا، لأن أحداً لم يفهمني كيف تحدث هذه الزلازلُ ونشعر باضطراب الأرض تحتنا، ثم يقال أن لا شيء حصل، وكل الأمور على التمام. وأريد أن أسأل "أنسَ" صديقي – بما أنه أخذ على عاتقِهِ أخيرا شرح الأزمةِ العالمية ببساطة ومباشرة رواة المقاهي الشامية - وبقية الأساتذة المتمرسين، سؤالاً: هل الصحيح أن يُغاث من كان مصدر كل المشاكل؟ ألم تكن البنوكُ هي الشريرُ الذي حاك حبالَ الأزمة من زمن، ثم التفـّت على عنقه؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هل تـُعان البنوكُ التي لا تنتج إلا الورقَ من الورقِ، وتـُترك الشركات والمصانع المنتجة في عين عاصفة الإفلاس؟ ومن يظن أن هذا السؤال ساذج، فأرجو أن يتلطف صبرا لنخبره أن عين السؤال في "الإكونومست" فهي تقول: "إنه يتطلب رئيسا شجاعا ليقنع الناسَ كيف أنه يحق لـ 45 ألفا من بنك "مورجان ستانلي" الاحتفاظ بوظائفهم العالية الأجور بدعم حكومي قدره عشرة مليارات دولار، بينما لا يكون لـ 266 ألفا من موظفي شركة صناعية كبرى مثل "جنرال موتورز" ذلك؟".أوه، نسيت. أعدكم هذا هو الأخير؛ من أين تأتي الحكومات - وبالذات الحكومة الأمريكية - بكل هذه الأموال في وقتٍ انضربت فيه أعظم بنوكها؟ هل فقط من دافعي الضرائب؟ هل يعني أن الأزمة لما يشاءُ اللهُ لها أن تنتهي؟ سيأتي من يقول لنا إن دافعَ الضرائب الأمريكي هو الذي أنقذ العالم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق